Rainbow Arch Over Clouds

الجمعة، 25 أبريل 2014

أطفال التوحد


أطفال التوحد في الجزائر.. معدمون وهم على قيد الحياة
من الشروق أون لاين زهيرة مجراب

الأولياء يعتقدون أن هناك جنِّيا يربط لسان الطفل ويمنعه من الكلام وسيغادر جسدَه بعد جلسات رقية، وهناك نسوة يعتقدن أن الطفل "دمه ثقيل" أو "لسانه ثقيل" لذلك تلجأ إلى طريقة شعبية قديمة جدا فتحضر له 7 ألسنة خروف من عند الجيران وتطلب منه أن يأكل جزءا منها فتفك عقدة لسانه، أو تطلعه على جزء من السرَّة التي تنزع منه عند ولادته وتطلب منه النفث عليها.


يتصدّر داء التوحد عند الأطفال قائمة الأمراض العقلية في الجزائر، حيث يُحصى إصابة 80 ألف طفل توحّدي، بعضهم أسعفهم الحظ في نيل فرصة المتابعة في المراكز الخاصة على ندرتها، ليحظوا بتكفل الطب النفسي العقلي والأرطفونيا مبكرا وهو ما يسمح بتخفيف أعراض التوحد ومحاولة إدماجهم في المدارس، فيما لا يزال مئات الأولياء في رحلة البحث عن وصفات ناجعة على عتبات الرقاة وحتى الدجالين.
يعتبر مرض التوحُّد نوعاً من الاضطرابات التطورية التي تظهر خلال الثلاث سنوات الأولى من عمر الطفل وتكون نتيجة اضطرابات عصبية تؤثر في وظائف المخ وبالتالي في مختلف نواحي النمو. تقول إحدى المختصات في علاج النطق "الأرطوفونيا" بمركز علاج مرضى التوحد، وتملك خبرة تفوق 9 سنوات في هذا المجال: يشكل التوحد إعاقة نمو شاملة؛ فالطفل المتوحد قبل بلوغه سن 30 شهراً يجد صعوبة في الاتصال سواء كان هذا الاتصال لفظياً أو غير لفظي، كما أنهم يستجيبون للأشياء أكثر مما يستجيبون للأشخاص وأيّ تغيير يحدث في بيئتهم يؤدي إلى اضطرابهم فيكررون حركات جسمانية أو مقاطع كلامية.
وتؤكد الإخصائية أن هذا المرض يستحيل معرفتُه من خلال التصوير الإشعاعي "السكانير" أو "الإيكوغرافي" عندما يكون جنينا، لكن بما أن الأم هي أقرب مخلوق إلى الطفل، فبإمكانها ملاحظة أي تصرفات غير طبيعية على ابنها وعدم تفاعله معها فأغلب الحالات التي تصل إلى مركزهم يكون فيها الطفل يبلغ من العمر 18 شهراً فما فوق، وهناك يتم إعادة تلقين الطفل معارف أساسية وإعادة ضبط سلوكه، فطفل التوحُّد لا يعرف نفسه ولا أفراد عائلته، لذا يلقى صعوبة في التعليم وليس بوسعه التقليد.
وعن طرق العلاج المعتمَدة في الجزائر، تفيد المختصَّة أن هناك طريقتين: برنامج "شوبلار" في تطوير المهارات المعرفية "النشاطات التعليمية لأطفال التوحد" والمعتمد في المؤسسة الإستشفائية دريد حسين، حيث يتلقى الطفل بعض التمارين لمدة نصف ساعة وتكررها له والدته في البيت. أما طريقة "آبيا" والمتبعة في مركز علاج التوحُّد بالشراقة، فترتكز بطريقة أكبر على الاخصائية النفسانية يجب أن ترافق المريض لأكثر من 11 ساعة في اليوم.
"المتوحدون" يُطردون من المدارس
يتخبط الطفل المتوحد في جملة من الاضطرابات والمشاكل أساسها عدم تفهم المجتمع له ورفضه، حيث أكدت الإخصائية أنهم يشعرون كما يشعر غيرُهم، كما أنهم يتمتعون بالوسامة وهو ما وقفنا عليه أثناء تواجدنا بالمركز، فرغم أن المرض لا يمكن التعرف عليه من خلال المظهر الخارجي، إلا أن مرضى التوحد هم الأكثر وسامة دوما بين إخوتهم. وتواصل الإخصائية أن المدرسة هي التحدي الأكبر الذي يواجهه الأولياء فمعظم أطفال التوحد يتم طردُهم من دور الحضانة وهناك مديرو دور حضانة استغلاليون ينتهزون الفرصة لمطالبة الأولياء بدفع ثمن مضاعف يصل إلى 25 ألف دينار شهرياً  لقاء استقبال أبنائهم. ويتكرر نفس الحادث معهم فيرفضهم المديرون ويعتبرونهم "غير أسوياء" على الرغم من أنهم يتمتعون بالذكاء ويبرعون في المسائل الحسابية والعلمية فالمعلومات التي يحفظونها تترسخ بسرعة داخل أذهانهم، مشيرة إلى أن الجمعيات الناشطة باسم هذه الشريحة من الأطفال لم تقدِّم لهم شيئا فالأولياء لازالوا يتخبطون بين مواقع الانترنيت التي تقدم لهم ما يغذي مخاوفهم، وبين المراكز العمومية القليلة اثنان فقط في العاصمة وآخر خاص كمركز بئر خادم، فهناك يدفعون أكثر 12 مليون سنتيم سنوياً لكن حالة الطفل تنتكس أكثر وفرص خروجه من عالم التوحّد تقلّ.
بين أسطورة الجان والمرض العقلي
ذكرت لنا أخصائية "الأرطفونيا" أثناء مشاركتنا لجلساتها العلاجية أنه من الصعب جدا على الأولياء تقبُّل مرض ابنهم، لذلك يفضلون اللجوء إلى الطرق والأساليب الشعبية الشائعة والمنتشرة بكثرة كاللجوء إلى الرقية، فالأولياء يعتقدون أن هناك جنِّيا يربط لسان الطفل ويمنعه من الكلام وسيغادر جسدَه بعد جلسات رقية، وهناك نسوة يعتقدن أن الطفل "دمه ثقيل" أو "لسانه ثقيل" لذلك تلجأ إلى طريقة شعبية قديمة جدا فتحضر له 7 ألسنة خروف من عند الجيران وتطلب منه أن يأكل جزءا منها فتفك عقدة لسانه، أو تطلعه على جزء من السرَّة التي تنزع منه عند ولادته وتطلب منه النفث عليها. وبعد أن تفشل كل هذه الطرق ويزداد خطر المرض يرضخن مجبرات للحل العلمي وهن غير مقتنعات.
معاناة وخوفٌ من المستقبل 
.."عندما أناديه لا يستجيب، نظراته دائما شاخصة يعيش في عالم معزول وبعيدا عما يجري حوله، كان عنده تأخر في كل شيء مقارنة بأقرانه فهو لم يستطع الجلوس أو المشي مبكرا ولم ينطق بكلمة واحدة، يرفض اللعب مع أقرانه لكنه يفضل تكرار ما يقوم به ابني ليس معاقا انه سليم وذكي جدا". 
هي عينة مما يردده أولياء الأطفال المتوحدين في جلساتهم العلاجية داخل المركز الخاص بهم، ومن بينهم والدة "أنفال" البالغة من العمر 5 سنوات، اكتشفت مرضها في سن الثالثة، كانت منطوية وتفضِّل العزلة، وبعد عرضها على مختصين تمّ تشخيص مرضها على أنه "التوحد". تقول والدة أنفال "في البداية لم أستطع تقبل المرض فهي ذكية جدا ونشطة، بقيت فترة طويلة وبعدها عزمتُ على مساعدتها للخروج منه، علّمتها الألوان والأشكال وهي تعالَج منذ سنة ونصف لكن نظرتها لازالت بعيدة ولازالت تتصرف بغرابة، فتقفز على السرير طوال الوقت أو تحرك أصابعها بطريقة غريبة".
 أما "وائل" فهو طفل وسيم جدا يبلغ من العمر 4 سنوات، لاحظت والدته أنه في سن الثانية أنه لا يتحدث معها ولا يشعر بوجودها فعالمه مرتبط بجهاز التلفزيون "طيور الجنة" يتحدث مثل الرسوم المتحركة، في البداية كانت تعتقد أن مرضه وهو في الشهر السادس فقط من عمره ودخوله الإنعاش لشهر كامل هو السبب في تأخره عن النطق، الجلوس والمشي، وحتى بعد أن عرفت أنه طفلٌ "متوحد"، بقيت غير واثقة ولذلك لا تلتزم بالتمارين العلاجية الموصوفة له.
"آدم" صورة أخرى لطفل وسيم جميل الملامح، شعلة متقدة من النشاط في عمر السنتين والنصف، تأخر في النطق، تناديه باسمه فلا ينتبه إليها فاعتقدت والدته أن "دمه ثقيل" كما نقول بالعامية فعرضته على طبيبة أطفال والتي طالبتها بإخضاعه لبعض الفحوص العضوية لكن كل النتائج أثبتت سلامته العضوية، لتحوله إلى مختصة نفسانية.. هذه الأخيرة وجّهتها إلى المركز.
 تبكي الأم قبل أن تكمل حديثها "ليت ولدي كان يشكو من مرض عضوي يمكن أن يشفى منه لكن مرضه عقلي وليس بإمكاني مساعدته". وعندما شاهد الطفل والدته تبكي حاول لفت انتباهها ليتغير سلوكُه دفعة واحدة، فيزداد عنفا واتجه إلى جدار الغرفة وبدأ بضربه ثم أخذ يحرك الطاولة بعنف، تقول الأم: أنا مستعدة لفعل كل شيء من أجله. لتقدم لها بعدها الاخصائية جملة من النصائح وتستدعي والده لتعلِّمه طرق التعامل مع ابنه المتوحد.
إنقاذ مئات الأطفال من الضياع
أكدت لنا المختصة في "الأرطفونيا" أن كتاب النشاطات التعليمية لأطفال التوحد لصاحبه "اريك شوبلار" وهو طبيبٌ نفساني بأدواته البسيطة وتقنياته السهلة ساهم في مساعدة المئات من أطفال التوحد، فوالد أحد الأطفال المتوحدين ويدعى "أبو عبد الرزاق" نسبة إلى ابنه المريض ترجم الكتاب بعد أن خرج ابنه من دائرة التوحد والتحق بالمدرسة، من اللغة الفرنسية إلى العربية ونسخه كي يسهِّل على الأولياء تدريب أبنائهم على هذه التقنيات: الألوان، الحيوانات، الأشكال، الخضر... مما يحفز المخ على النشاط فالطفل المتوحد ليس بإمكانه اكتساب المعارف بل يجب تعليمه إياها وعزله عن الأشياء التي تشتت انتباهه، ومن أهم ما يميز طفل التوحد هو الاستعداد للاستيعاب وتطلعه لتعلم المزيد. وتنصح الاخصائية الأولياء بالتعاطي بشكل جيد مع نوبات الغضب والبكاء، أو الصرع في حالات نادرة جدا يُصاب بها الطفل مع تعليمه طرق الحفاظ على النظافة الشخصية والابتعاد عن الأخطار.

1 التعليقات:

  1. شكرا موضوع مهم للغاية و انساني

    ردحذف